Wednesday, 14 September 2016

اللوجستيات العسكرية

قبل أن يظهر مصطلح الخدمات اللوجستية Logistics في عالم الأعمال، كان له شياع في القطاع العسكري. بل أنه في فترةٍ سابقة عرّف قاموس أكسفورد الإنجليزي الخدمات اللوجستية بأنه الفرع العسكري المختص في توريد و نقل المواد، و الأفراد و المخيمات العسكرية. إذ مهمة هذا القسم تنصب على توفير ما يحتاجه المستهلك الأخير (الجندي) من مواد سواءً في فترة السلم أو الحرب. إن الخدمات اللوجستية تعتبر من أهم استراتيجيات الحروب لهزيمة الخصم. فبالمحافظة على خطوطك التموينية و بقطع خطوط الإمداد و التموين للخصم، تضعه في موقف ضعف لعدم توفر الموارد الكافية لمواصلة الحرب. لذا نرى دائماً في المعارك يتم فرض حصار على قواعد الخصم تضطره إلى استنفاذ موارده و بالتالي ضعفه و هزيمته. خلال الحرب العالمية الثانية، استخدم الألمان و البريطانيون استراتيجية حربية تسمى "حرب الحمولة" Tonnage War. تستهدف هذه الاستراتيجية سفن الشحن البحري سواءً التجارية أو الحربية لقطع خطوط الإمداد. تغلب الألمان في البداية إلى أن استطاع البريطانيون فك شفرة آلة إنقما Enigma Machine و بالتالي تمكنوا من تحديد مواقع الغوصات و السفن الحربية الألمانية. بالرغم من استخدام مصطلح الخدمات اللوجستية لتعريف هذا القسم العسكري، إلا أنه عندما نلقي نظرة أدق على أعماله لن نرَ سوى تطبيقات لجميع أدوات و مفاهيم سلسلة الأمداد. سنناقش في هذا المقال الفرق بين سلسلة إمداد الأعمال و سلسلة الإمداد العسكرية.
تختلف سلسلة إمداد القطاع العسكري عن نظيرتها في قطاع الأعمال في تنوع المواد المتنقلة. ففي قطاع الأعمال تنحصر المواد المتنقلة على عدد قليل من المنتجات و موادها الأولية. فمثلاً، المواد المتنقلة على امتداد سلسلة إمداد المطاعم تقتصر على الخضار و اللحوم كمواد أولية يتم تحويلها في المطبخ (المصنع) إلى قائمة مختصرة من الأطباق. في المقابل، المواد المتنقلة في سلسلة إمداد القطاع العسكري متنوعة جداً تشمل الأطعمة، الزي العسكري، المواد الطبية، الذخيرة، الأسلحة، المدرعات، الدبابات، الطائرات، الصواريخ، مواد البناء ..إلخ. باختصار، المواد تشمل كل ما يحتاجه الجندي لتأدية واجباته العسكرية و للحفاظ على سلامته.
أما بالنسبة إلى مراكز التخزين و التوزيع، فقطاع الأعمال يطمح دائماً إلى تخفيض المخزون لتقليل التكاليف المرتبطة به. فنرى هذا القطاع يعتمد على Lean Theory و نظرية Just-In-Time لتلبية احتياجاتها من المواد الأولية. باختصار، هاتان الاستراتيجات أو النظريات تهدف إلى رفع القيمة المضافة في سلسلة الإمداد من خلال إزالة العمليات عديمة القيمة و المكلفة. ففي نطاق التخزين، تعتمد الشركات على خفض مخزونها من المواد الأولية في مستودعتها و تبرم اتفاقيات مع مورديها لتوريد المواد الأولية في الوقت المناسب (Just-In-Time) لتبدأ عمليات التصنيع. فبذلك، توفر الشركات مبالغ كانت قد تُصرف على إيجار المستودع، حمايته، تشغيله، و تأمينه. في المقابل، القطاع العسكري يحتفظ بمخزون عالي جداً من المواد لتلبية احتياجات المستهلك بأسرع وقت ممكن بالرغم من التكلفة العالية. ما يضطر القطاع العسكري إلى رفع المخزون هو عدم القدرة على تنبأ الطلب على المواد في المستقبل. قد تكون دولة ما في حال سلم اليوم و بدون سابق إنذار تكون جزء من حرب في الغد. فإن لم تتوفر احتياجات الجيش من مواد استهلاكية و عسكرية، فاحتمالية خسارة تلك الدولة للحرب عالية جداً. بالإضافة، التأخر في توفير المواد الأولية في قطاع الأعمال ضرره خسارة زبائن بسبب تأخر وصول المنتج النهائي إلى الأسواق، في حين تأخر المواد في القطاع العسكري ضرره خسارة الأوراح. 
تختلف أيضاً استراتيجيات المشتريات في سلاسل إمداد الأعمال عن نظيرتها في القطاع العسكري. على الرغم من اتجاه الشركات إلى إبرام اتفاقيات شراء مع مورديها طويلة الأمد تعتمد فيها على الجودة و الموثوقية، إلا أن السعر يظل العامل الأهم في اختيار الموردين. بل أنه في بعض الشركات هو العامل الوحيد الذي يعتمد عليه قسم المشتريات في إتمام الطلبات الشرائية. و هذا بالطبع هدفه تخفيض تكاليف سلسلة الإمداد. في المقابل، القطاع العسكري ينظر لعامل السعر كعامل الثانوي. يعتمد القطاع العسكري على الموردين الذين يمكنهم توفير احتياجات الجيش بأسرع وقت ممكن و بأعلى جودة ممكنة، فلا ترغب دولة بتسليح جيشها بأسلحة فاسدة تخذلها في وقت الحرب.
في الختام، أنقل لكم مقولة لتوم بيترز Tom Peters كاتب و مستشار في إدارة الأعمال الذي خدم في البحرية الأمريكية خلال حرب فيتنام: 
“Leaders win through logistics. Vision, sure. Strategy, yes. But when you go to war, you need to have both toilet paper and bullets at the right place at the right time. In other words, you must win through superior logistics”
"القواد يتنصرون عن طريق الخدمات اللوجستية. رؤية، بالطبع. استراتيجية، نعم. لكن عندما تذهب للحرب، تحتاج إلى كل من مناديل الحمام و الرصاص في المكان الصحيح و الوقت الصحيح. بمعنى آخر، يجب أن تنتصر عن طريق التفوق اللوجستي"

Monday, 5 September 2016

سلسلة إمداد الطالب

اقترن مصطلح سلاسل الإمداد و إدارة سلاسل الإمداد بقطاعات صناعة المنتوجات، فعُرف المصطلح بارتباطه بالموردين و المصانع و مراكز التوزيع و التخزين و المبيعات كحلقات يربط بينها تحرك المنتجات و الأموال و المعلومات (راجع المقال الأول). هذا جعل الكثير يعتقدون بأن مفاهيم و تطبيقات و أدوات إدارة سلاسل الإمداد لم و لن تنطبق بفعالية في قطاع الخدمات Service Sector. بالطبع هذا الكلام ليس صحيح، و سأعرض في هذا المقال سلسلة إمداد قطاع التعليم و هو قطاع خدمي بنسبة كبيرة. 

في البداية، و قبل أن نستعرض سلسلة إمداد التعليم، لابد أن ندرك بأن إمتداد و تقلص سلاسل الإمداد ما هو إلا حصيلة لإستراتيجيات الشركة و طبيعة المنتج. فمثلا، نرى في سلسلة إمداد السيارات إمتداداً عالمياً يتمركز فيه موردون القطع الرئيسية في شرق آسيا، و خطوط التجميع في أوروبا، و مراكز المبيعات في أمريكا الشمالية. في حين يكون إمتداد سلسلة الإمداد لمطعم صغير في مدينة صغيرة قصير جداً. فالموردون (تجار الخضار و اللحوم) و المصنع و المخزن و منافذ البيع (المطعم نفسه) يقعون في نطاق جغرافي واحد بل و تشترك مجموعة حلقات من سلسلة الإمداد في نفس الموقع. سلاسل الإمداد في قطاع الخدمات مشابهة إلى حدٍ ما لسلسلة إمداد المطعم في تقارب حلقاتها. 

و لتقريب مفهوم سلسلة الإمداد في قطاع الخدمات، سأقوم بشرح سلسلة إمداد قطاع التعليم في السعودية. نبدأ بتحديد حلقات سلسلة الإمداد:

الموردون:
  1. مباني مأجرة أو حديثة
  2. كلية المعلمين
  3. مطابع الكتب
  4. مصانع الأثاث المدرسي
  5. المقصف
المصنع:
  1. المناهج الدراسية
  2. الحصص الدراسية
  3. الإختبارات
  4. الإرشاد الطلابي
  5. النشاطات المدرسية
التخزين:
  1. مستودعات لتخزين الكتب قبل بداية العام الدراسي
  2. المعلومات في عقل الطالب. كل طالب بحسب سعة تخزينه
  3. مخزون خريجو الثانوية في الفترة الإنتقالية إلى التعليم العالي
مراكز التوزيع:
  1. توزيع الكتب من مستودعات التخزين إلى مراكز إقليمية ليتم توزيعها على المدارس
  2. تعيين المدرسين إلى المدارس
  3. توزيع الأحياء السكنية على المدارس بحسب الكثافة السكانية
الحركة اللوجستية:
  1. نقل المعلمات
  2. نقل الطلبة
  3. نقل الكتب من مراكز التوزيع إلى المدارس
منافذ البيع: 
  1. المدارس الخاصة نفسها عن طريق خدمات التسجيل السنوية 

في الختام، نرى أن سلاسل الإمداد لها تواجد في قطاع الخدمات و يمكن تفعيل أدواتها فيه.