مع انطلاقة العديد من الشركات التي تقدم خدمات بريدية عالمية كشركة أرامكس و WS1 و البريد السعودي بخدمة واصل عالمي، شاع بين المستهلكين التبضع الكترونياً من متاجر عالمية بعلة رخصها عن ما هو متوفر في السوق المحلي. فتسمع أحدهم يتفاخر بشراء جهاز إلكتروني ب ١٩٩٩ ريال من أمازون في حين سعره في مكتبة الفرزدق هو ٢٤٩٩ ريال. هل فعلاً أمازون أرخص؟ أو بالأحرى هل التبضع من المواقع العالمية يوفر على المستهلك مبالغ مجدية؟ الإجابة في بعض الأحيان نعم و في أحيانٍ اخرى لا. فهي تعتمد على القرارات الشرائية التي يتخذها المستهلك خلال العملية الشرائية بالإضافة إلى عوامل أخرى كالزمن و الجودة.
المشتريات تلعب دوراً مهماً في سلاسل الإمداد فهي الحلقة المسؤولة عن توفير متطلبات السلسلة من مواد بأسعار تنافسية و جودة عالية من السوق. تبدأ إدارة المشتريات عملياتها بالبحث عن موردين يقدمون المواد المطلوبة بحسب المواصفات التي حددتها إدارة التصنيع. بعدما يحدد مسؤول المشتريات الموردين المحتملين، يرسل لهم مستند طلب تسعيرة Request for Quotation (RFQ) يعرض فيه مواصفات المواد المطلوبة و الشروط و الأحكام المطبقة على هذه العملية الشرائية و يطلب منهم تقديم تسعيراتهم خلال فترة زمنية معينة. بعدها، يقدم كل مورد نسختين من عرضه. الأولى موجهة لمسؤول المشتريات و تحتوي على التفاصيل التجارية للمنتج كالسعر و مدة التصنيع و الضمان و خدمات ما بعد البيع. أما النسخة الثانية تحتوي على التفاصيل الفنية و التقنية للمنتج ترسل إلى إدارة التصنيع لتقييمها والتأكد من تطابقها مع متطلباتهم. و هذه النسخة لا تحتوي على الأسعار. يُقيّم مسؤول إدارة التصنيع جميع العروض المقدمة فنياً و تقنياً و يخبر مسؤول المشتريات بقائمة الموردين المؤهلين ليبدأ عملية التقييم التجاري. في هذه الخطوة تتخذ كل القرارات الشرائية التي تحدد الفائز بالمناقصة. يأخذ مسؤول المشتريات بالاعتبار الأسعار المقدمة من الجميع بالإضافة إلى مدة الضمان، خدمات ما بعد البيع، مدة التصنيع و التوصيل، و مراجعة تقييم المورد في التعاملات السابقة. يعتمد على هذه العوامل في التقييم التجاري للعروض و بناء على النتيجة يتوج أحد الموردين بطلب الشراء. فمثلاً، خلال عملية شراء ١٠٠٠ جهاز جوال، طلبت شركة أ من مورديها تقديم تسعيراتهم. العرض المقدم من جرير هو ٢ مليون ريال كسعر بضمان سنتين و ينفذ الطلب خلال شهر. العرض المقدم من الحاسوبات العربية هو ٢,٥ مليون ريال بضمان ٣ سنوات و ينفذ الطلب خلال اسبوع مع توصيل البضاعة إلى مراكز الاستلام في الشركة. قد يكون عرض جرير مغري خصوصاً أنه أرخص بنصف مليون ريال لكن مدة تنفيذ الطلب طويلة جدا لا تتناسب مع موعد الحفل المقرر عقده خلال اسبوعين لتوزيع الأجهزة على الموظفين. بالإضافة، عرض جرير لا يشتمل على خدمات نقل الأجهزة إلى مراكز الاستلام فهذه تكلفة إضافية على الشركة تحملها. أو عُرف مثلا جرير بالتأخر في تنفيذ طلباته في التعاملات السابقة. لذا بعد التقييم يرى مسؤول المشتريات بأن عرض الحاسوبات العربية هو الأفضل لتلبية متطلبات الشركة. ما يبحث عنه مسؤول المشتريات هو إيجاد القيمة المضافة لسلسلة الإمداد بشكل كامل و لو اضطره ذلك إلى اختيار من هو أعلى سعراً.
في المثال المذكور في بداية المقالة، ينخدع الكثير بالسعر المعروض في أمازون بأنه أرخص من سعر المنتج في الأسواق المحلية. لكن لو عدنا خطوة إلى الخلف و أخذنا نظرة أوسع نستطيع إيجاد تكاليف مخفية أو متجاهلة من المشتري تجعل تكلفة المنتج مقاربة لتكلفته محلياً. فمثلا، عند دفعك لمشترياتك يُخيرك أمازون في الدفع بين عملتين، عملة البطاقة الائتمانية (الريال السعودي) و عملة المنتج (الدولار الامريكي). عند اختيارك الريال السعودي، يحتسب الموقع سعر الصرف ٣.٩٣ ريال للدولار. فلو كانت قيمة المنتج ١٠٠ دولار و قررت الدفع بعملة البطاقة الائتمانية، فتكلفته الفعلية هي ٣٩٣ ريال ليس ٣٧٥ ريال. في الواقع، حتى إن دفعت بعملة المنتج فإن البطاقات الائتمانية يتراوح سعر الصرف فيه بين ٣.٨٠ و ٣.٨٥ ريال. أي أن القيمة الفعلية هي ٣٨٥ ريال. أضف إلى ذلك الضرائب المفروضة حسب كل ولاية، تكلفة شحنها من المصدر إلى بريدك الوهمي في أمريكا، و تكلفة شحنها من أمريكا إليك. كل هذا قد يجعل الفرق في التكلفة بين المواقع الإلكترونية و السوق المحلي ضئيل جداً بل في بعض الأحيان تساويه أو تتخطاه. كما يُتجاهل في العادة حاجة المشتري إلى الانتظار بين ٥ إلى ١٤ يوم للحصول على المنتج في حين يمكن الحصول عليه فوراً محلياً. لذا يتوجب على المشتري قبل القيام بأي عملية شرائية مهمة أن يفهم متطلباته و أولويته أولاً و يدرس التكاليف جيداً ثانياً. في الأخير، قرارات المشتري و معاينته لكل التكاليف بالإضافة إلى المتطلبات التي تغطيها العملية الشرائية هي التي تحدد إن كانت عملياته الشرائية قيّمة أم لا.